فصل: أول من ولي مصر بعد بني طولون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 أول من ولي مصر بعد بني طولون

وخراب القطائع إلى الدولة الفاطمية العبيدية وبناء القاهرة على الترتيب المقدم ذكره فأول من حكحمها محمد بن سليمان الكاتب المقدم ذكره أرسله الخليفة المكتفي بالله علي العباسي حسبما ذكرناه في غير موضع وملك محمد بن سليمان الديار المصرية بعد قتل شيبان بن أحمد بن طولون في يوم الخميس مستهل شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين ومائتين ودعا على منابر مصر للخليفة المكتفي بالله وحده وولى محمد بن سليمان أبا علي الحسين بن أحمد الماذرائي على الخراج عوضا عن أحمدبن علي الماذرائي فلم تطل مدة محمد بن سليمان بمصر حتى قدم عليه كتاب الخليفة المكتفي بالله بولاية عيسى بن محمد النوشري ودخل خليفة عيسى المذكور إلى مصر لأربع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى فتسلم من محمد بن سليمان المذكور الشرطتين وسائر الأعمال فكان مقام محمد بن سليمان المذكور الكاتب بمصر أربعة أشهر‏.‏

وفي ولايته أقوال كثيرة‏:‏ فمن الناس من لا يعده من الأمراء بمصر بل ذكر دخوله لفتح مصر وأنه كان مقدم العساكر لا غير وقائلو هذه المقالة هم الأكثر ووافقتهم أنا أيضًا على ذلك لأن المكتفي لما خلع عليه أمر بالتوجه لقتال مصر وأمر أصحابه بالسمع والطاعة ولم يوله عملها وعندما بلغ الخليفة المكتفي فتح مصر ولى عليها في الحال عيسى النوشري ولهذا لم نفتح ترجمته بافتتاح تراجم ملوك مصر على عادة ترتيب هذا الكتاب ومن الناس من عدة من جملة أمراء مصر بواسطة تحكمة وتصرفه في الديار المصرية‏.‏

هو عيسى بن محمد الأمير أبو موسى النوشري ولاه الخليفة المكتفي من بغداد على مصر فأرسل عيسى خليفته على مصر فآستولى عليها إلى حين قدمها لسبع خلون من جمادى الاخرة من سنة آثنتين وتسعين ومائتين‏.‏

وكان محمد بن سليمان لما وصل إلى مصر بالعساكر كان الأمير عيسى النوشري المذكور من جملة القواد الذين قدموا معه فلما آفتتح محمد بن سليمان مصر أرسل عيسى هذا إلى الخليفة رسولا يخبره بفتح مصر لأنه كان من كبار القواد الشاخصين معه إلى مصر وتوجه عيسى إلى نحو العراق فلما وصل إلى دمشق وافاه كتاب الخليفة المكتفي بها بولايته على إمرة مصر فعاد من وقته إلى أن دخل مصر في التاريخ المقدم ذكره ث فخلع عليه محمد بن سليمان الكاتب وطاف به مدينة مصر وعليه الخلعة وآستمر على عمل معونة مصر وجندهاة ثم ورد عليه أيضًا كتاب الخليفة إلى جماعة من القواد ممن كان في عسكر محمد بن سليمان‏:‏ منهم علي بن حسان بتقليده أعمال الإسكندرية وإلى مهاجربن طليق بتقليده ثغر تنيس ودمياط وإلى رجل يعرف بالكندي بتقليده الأحواف وإلى رجل يقال له موسى بن أحمد بتقليده برقة وما والاها وإلى رجل يعرف بمحمد بن ربيعة بتقليده الصعيد وأسوان وإلى رجل يعرف بأبى زنبور الحسين بن أحمد الماذرائي بتقليده أعمال الخراج بمصر وجلس في ديوان الخراج لخمس بقين من جمادى الآخرة ثم إلى دميانة البحري ونزل عيسى النوشري المذكور في الدار التي كانت سكنى بحر الحمامي بمصر وكانت بالموقف بسوق الطير وهي الدار التي كان نزل بها محمد بن سليمان الكاتب لما آفتتح مصر وكان خروج محمد بن سليمان من مصر في مستهل شهر رجب من السنة وأخرج معه كل من بقي من الطولونية بمصر كما ذكرناه في ترجمة شيبان بن أحمد بن طولون وآستصحب معه أيضًا جماعة بعد رحيله عنها فخرج الجميع إلى الشام وهم‏:‏ أبو جعفر محمد بن أبى وآبنه الحسن وطغج بن جف الذي كان نائب دمشق وولده وأخوه وبدر وفائق الرومي الخازن وصافي الرومي وغيرهم من موالي أحمد وخمارويه وخرج الجميع موكلا بهم وأخرج معهم أيضًا جماعة كثيرة ممن هم أقل رتبة ممن ذكر غيرأنهم أيضًا من أعيان الدولة وأكابر القواد وهم‏:‏ محمد بن علي بن أحمد الماذرائي وزير هارون بن خمارويه وأبو زرعة القاضي وأبو عبد الله محمد بن زرعة القاضي وخلق كثير من آل طولون وغيرهم من الجند وضمهم إلى عسكره وقت خروجه من مصر فتخلف عنه جماعة بدمشق وغيرها وسار معه بعضهم إلى حلب في الحديد وهم‏:‏ موسى بن طرنيق وأحمد بن أعجر وكانا على شرطتي مصر كما تقدم ذكره وابن بايخشي الفرغاني وكان عاملا على سيادة أسفل الأرض ووصي لقاطرميز وخصيف البربري مولى أحمد بن طولون‏.‏

فلما استقر قرار محمد بن سليمان بحلب وافاه رسول الخليفة بأن يسلم ما كان معه من الأموال والخيل والطرز والذهب وغير ذلك مما كان حمله من مصر إلى من أمر بتسليمه إليه فقدر المقدرون فيه ما حمله من الأموال مع الذي أخذه من الناس ألفي ألف دينار‏.‏

وتفرق من كان معه من الجند من المصريين فمنهم من سار إلى العراق ومنهم من رجع يريد مصر إلى من خلفه من أهله بها فممن رجع إلى مصرشفيع اللؤلئي الخادم ورجل شاب يقال له محمد بن علي الخلنجي من الجند من المصريين ومحمد هذا ممن كان في قيادة صافي الرومي أعني أنه كان مضافه فرجع محمد هذا يريد أهله وولده فخطر له خاطر ففكر فيما حل بآل طولون وإزالة ملكهم وإخراجهم عن أوطانهم فأظهر النصرة لهم والقيام بدولتهم وأعلن ذلك وأبداه وذكر الذي عزم عليه لجماعة من المصريين فبايعوه على ذلك وعضدوه على عصيانه وآنضم عليه شرذمة من المصريين فسار على حمية حتى وافى الرملة في شعبان من سنة اثنتين وتسعين ومائتين فنزل محمد المذكور بمن معه بناحية باب الزيتون وكان بالرملة وصيف بن صوارتكين الأصغر فآستعد لقتاله فقدم وصيف جماعة مع محمد بن يزداد ثم خرج وصيف ببقية جماعته فرأى محمد بن علي الخلنجي المذكور في نفريسير من الفرسان فزحف محمد بن علي الخلنجي بمن معه على وصيف بن صوارتكين فهزمه وقتل رجاله وهرب من بقى بين يديه‏.‏

وملك محمد الرملة ودعا على منابرها في يوم الجمعة للخليفة وبعده لإبراهيم بن خمارويه ثم بعدهما لنفسه وتسامع الناس به فوافوه من كل فج لما في نفوسهم من تشتتهم عن بلادهم وأولادهم وأوطانهم وصار الجميع من حزب محمد المذكور من غير بذل دينار ولا درهم وبلغ عيسى النوشري صاحب الترجمة وهوبمصر ما كان من أمر محمد بن علي الخلنجي فجهز عسكرا إلى العريش في أسرع وقت من البحر وساروا حتى وافوا غزة فتقدم إليهم محمد بن علي الخلنجي بمن معه فلما سمعوا به رجعوا إلى العريش فسار محمد الخلنجي بمن معه خلفهم إلى العريش فآنهزموا أمامه إلى الفرما ثم ساروا من الفرما إلى العباسة ونزل محمد الخلنجي الفرما مكانهم فلما سمع عيسى النوشري ذلك خرج من مصر بعسكر ضخم حتى نزل العباسة ومعه أبومنصور الحسين بن أحمد الماذرائي عامل خراج مصر وشفيع اللؤلئي صاحب البريد ورحل محمد الخلنجي حتى نزل جرجير فلما سمع عيسى النوشري قدومه إلى جرجير كر راجعا إلى مصر ونزل على باب مدينة مصر فأتاه الخبر بقدوم محمد بن علي الخلنجي المذكور فدخل إلى المدينة ثم خرج منها ومعه أبوزنبور وعدا جسر مصر في يوم الثلاثاء رابع عشر في القعدة سنة اثنتين وتسعين ومائتين ثم أحرق عيسى النوشري جسري المدينة الشرقي والغربي جميعا حتى لم يبق من مراكبهما مركبا واحدا يعني أن الجسر كان معقودا على المراكب وهذه كانت عادة مصر تلك الأيام ونزل عيسى النوشري وأقام ببر الجيزة وبقيت مدينة مصر بلا وال عليها ولاحاكم فيها وصارت مصر مأكلة للغوغاء يهجمون على البيوت ويأخذون الأموال من غير أن يردهم أحد عن ذلك فإن عيسى النوشري ترك مصر وأقام ببر الجيزة خوفا من محمد المذكور فقوي لذلك شوكة محمد الخلنجي واستفحل أمره وسار من جرحير حتى دخل مدينة مصر في يوم سادس عشرين ذي القعدة من السنة من غير ممانع‏.‏

وكان محمد المذكور شابا شجاعا مقدامًا مكبًا على شرب الخمر واللهو عاصيًا ظالما ومولده بمدينة مصر ونشأ بها فلما دخلها طاف بها ودخل الجامع وصلى فيه يوم الجمعة ودعا له الإمام على المنبر بعد الخليفة وإبراهيم بن خمارويه ففرح به أهل مصر إلى الغايه وقاموا معه فمهد أمورها وقمع المفسدين وتخلق أهل مصر بالزعفران وخلقوا وجه دابته ووجوه دواب أصحابه فرحا به ولم يشتغل محمد الخلنجي المذكور بشاغل عن بعثه في أثر عيسى النوشري وجهز عسكرا عليه رجل من أصحابه يقال له خفيف النوبي وخفيف من الخفة وأمره باقتفاء أثر عيسى النوشري حيث سلك فخرج خفيف المذكور وتتابع مجيء العساكر إليه في البر والبحر وبلغ عيسى النوشري مسير خفيف إليه فرحل من مكانه حتى وافى الإسكندرية وخفيف من ورائه يتبعه وأما محمد الخلنجي فإنه قلد وزارته ابن موسى النصراني وقلد أخاه إبراهيم بن موسى على خراج مصر وقلد شرطة المدينة لإبراهيم بن فيروز وقلد شرطة العسكر لعبد الجباربن أحمد بن أعجرة وأقبل الناس إليه من جميع البلدان حتى بلغت عساكره زيادة على خمسين ألفًا وفرض لهم الأرزاق السنية فاحتاج إلى الأموال لإعطاء الرجال وكان في البلد نحو تسعمائة ألف دينار وكانت معبأة في الصناديق للحمل الخليفة وهي عند أبي زنبور وعيسى النوشري صاحب الترجمة فلما خرجا من البلد وزعاها فلم يوجد لها أثر عند أحد بمصر وعمد الحسين بن أحمد إلى جميع علوم دواوين الخراج فأخرجها عن الدواوين قبل خروجه من مصر لئلا يوقف على معرفة أصول الأموال في الضياع فيطالب بها أهل الضياع بما عليهم من الخراج وحمل معه أيضًا جماعة من المتقبلين أعني المدركين والكتاب لئلا يطالبوا بما عليهم من الأموال منهم وهب بن عياش المعروف بآبن هانىء وابن بشر المعروف بآبن الماشطة وإسحاق بن نصير النصراني وأبو الحسن المعروف بالكاتب وترك مصر بلا كتاب فلم يلتفت محمد الخلنجي إلى ذلك وطلب المتقبلين وأغلظ عليهم ثم وجد من الكتاب من أوقفه على أمور الخراج وأمر الدواوين ثم قلد لأحمد بن القوصي ديوان الإعطاء وتحول من خيمته من ساحل النيل وسكن داخل المدينة في دار بدر الحمامي التي كان سكنها عيسى النوشري بعد خروج محمد بن سليمان الكاتب من مصر وهي بالحمراء على شاطىء النيل‏.‏

وأجرى محمد الخلنجي أعماله على الظلم والجور وصادر أعيان البلد فلقي الناس منه شدائد إلا أنه كان إذا أخذ من أحد شيئا أعطاه خطه ويعده أن يرد له ما أخذ منه أيام الخراج وأما عيسى النوشري صاحب وصلا بعسكرهما قريب الإسكندرية وخفيف النوبي في أثرهما لا قريبا منهما وكان أبوزنبور قد أرسل المتقلبين والكتاب إلى الإسكندرية ليتحصنوا بها وتابع محمد الخلنجي العساكر إلى نحو خفيف النوبي نجدة له في البر والبحر فكان ممن ندبه محمد الخلنجي محمد بن لمجور في ست مراكب بالسلاح والرجال فسار حتى وافى الإسكندرية في يوم الخميس نصف ذي الحجة وكان بينه وبين أهل الإسكندرية مناوشة حتى دخلها وخلص بعض أولئك المتقبلين والكتاب وحملهم إلى مصر وأخذ أيضًا لعيسى النوشري ولأبي زنبور ما وجلى لهما بالإسكندرية وفرقه على عساكره وأقام بعسكره مواقفا عيسى النوشري خارجا عن الإسكندرية أياما ثم آنصرف إلى مصر وانصرف عيسى النوشري إلى ناحية تروجة فوافاه هناك خفيف النوبي وواقعه فكانت بينهماوقعة هائله انهزم فيها خفيف النوبي وقتل جماعة من أصحابه ولم يزل خفيف في هزيمته إلى أن وصل إلى مصر بمن بقي معه من أصحابه فلم يكترث محمد الخلنجي بذلك وأخذ في إصلاح أموره وبينما هو في ذلك ورد عليه الخبر بمجيء العساكر إليه من العراق صحبة فاتك المعتضدي وبدر الحمامي وغيرهما فجهز محمد الخلنجي عسكرا لقتال النوشري وقد توجه النوشري نحو الصعيد ثم خرج هو في عساكره إلى أن وصل إلى العريش ثم وقع له مع عساكر العراق وجيوش النوشري وقائع يطول شرحها حتى أجدبت مصر وحصل بها الغلاء العظيم وعدمت الأقوات من كثرة الفتن وطال الأمر حتى ألجأ ذلك إلى عود محمد بن علي الخلنجي إلى مصر عجزا عن مقاومة عساكر العراق وعساكر أبي الأغر بمنية الأصبغ بعد أن واقعهم غير مرة وطال الأمر عليه فلما رأى أمره في إدبار وعلم أن أمره يطول ثم يؤول إلى آنهزامه دبر في أمره مادام فيه قوة فأطلع عليه محمد بن لمجور المقدم ذكره وهوأحد أصحابه وعرفه سرا بأشياء يعملها وأمره أن يركب بعض المراكب الحربية وحمل معه ولده وما أمكنه من أمواله وواطأه على الركوب معه وأمره بآنتظاره ليتوجه صحبته في البحر إلى أي وجه شاء هاربا فشحن محمد بن لمجور مركبه بالسلاح والمال وصار ينتظر محمدا الخلنجي صاحب الواقعة ومحمد الخلنجي يدافع عسكر عيسى النوشري تارة و عسكر الخليفة مرة إلى أن عجز وخرج من مصر إلى نحو محمد بن لمجور حتى وصل إليه فلما رآه محمد بن لمجور قد قرب منه رفع مراسيه وأوهمه أنه يريده فلما دنا منه ناداه محمد بن علي الخلنجي ليصير إليه ويحمله معه في المركب فلما رآه محمد بن لمجوروسمع نداءه سبه وقال له مت بغيظك قد أمكن الله منك وتأخر وضرب بمقاذيفه وانحدر في النيل وذلك لما كان في نفس محمد بن لمجور من محمد بن علي الخلنجي مما أسمعه قديما من المكروه والكلام الغليظ فلما رأى محمد الخلنجي خذلان محمد بن لمجور له ولم يتم له الهرب كر راجعًا حتى دخل مدينة مصر وقد آنفل عنه عساكره فصار إلى منزل رجل كان يعنى بإخفائه ويأمنه على نفسه ليختفي عنده فخافه المذكور وتركه هاربًا وتوجه إلى السلطان فتنصح إليه وأعلمه أنه عنده فركب السلطان وأكابر الدولة والعساكر حتى قبضوا عليه وكان ذلك في صبيحة يوم الاثنين ثامن شهر رجب من سنة ثلاث وتسعين ومائتين فكانت مدة عصيانه منذ دخل إلى مصر إلى أن قبض عليه سبعة أشهر واثنين وعشريين يوما ودخل فاتك وبحر الحمامي بعساكرهما وعساكر العراق حتى نزلا بشاطىء النيل ثم وافاهم الأمير عيسى النوشري من الفيوم حسبما يأتي ذكره في ترجمته في ولايته الثانية على مصر أعني عوده إلى ملكه بعد الظفر بمحمد بن علي الخلنجي ونزل عيسى بدار فائق فإن بدرا كان قد م إلى مصر ونزل في داره التي كان النوشري نزل فيها أؤلا ودعا للخليفة على منابر مصر ثم من بعده لعيسى النوشري هذا وأمور مصر مضطربة إلى غاية ما يكون وقلد عيسى شرطة العسكر لمحمد بن طاهر المغربي وشرطة المدينة ليوسف بن إسرائيل وتقلد أبو زنبور الخراج على عادته وأخذ النوشري في إصلاح أمور مصر والضياع وتتبع أصحاب محمد الخلنجي من الكتاب والجند وغيرهم وقبض على جماعة كثيرة منهم مثل السري بن الحسين الكاتب وأبي العباس أحمد بن يوسف كاتب ابن الجصاص وكان على نفقات محمد الخلنجي وجماعة أخر يطول الشرح في ذكرهم وأما محمد بن لمجور وكيغلغ وبدر الكريمي وجماعة أخر من أصحاب محمد الخلنجي فإنهم تشتتوا فى البلاد ثم دخل محمد بن لمجور مصر متنكرا فقبض عليه وطيف به ومعه غلام آخر لمحمد الخلنجي ثم عوقب محمد بن لمجورحتى آستخلص منه الأموال ثم جهز الأمير عيسى النوشري محمدا الخلنجي في البحر إلى أنطاكية فخرجوا منها ودخلوا العراق إلى عند الخليفة ثم بعد ذلك ورد كتاب الخليفة على عيسى النوشري في شهررمضان باستقراره في أعمال مصر جميعا قبليها وبحريها حتى الإسكندرية وإلى النوبة والحجاز‏.‏

ولاية محمد بن علي الخلنجي هو محمد بن علي الخلنجي الأمير أبو عبد الله المصري الطولوني ملك الديار المصرية بالسيف وآستولى عليها عنوة من الأمير عيسى بن محمد النوشري وقد مر من ذكره في ترجمة عيسى النوشري ما فيه كفاية عن ذكره هنا ثانيا غيرأننا نذكره على حدته لكونه ملك مصر وذكره بعض أهل التاريخ في أمراء مصر فلهذا جعلنا له ترجمة مستقلة خوفًا من الاعتراض والاستدراك علينا بعدم ذكره ولما ملك محمد بن علي الخلنجي الديار المصرية مهد البلاد ووطن الناس ووضع العطاء وفرض الفروض فجهز الخليفة المكتفي بالله جيشا لقتاله وعليهم أبوالأغر وفي الجيش الأمير أحمدبن كيغلغ وغيره فخرج إليهم محمد بن علي الخلنجي هذا وقاتلهم في ثالث المحرم من سنة ثلاث وتسعين ومائتين فهزمهم أقبح هزيمة وأسر من جماعة أبي الأغر خلقا كثيرا وعاد أبو الأغر لثمان بقين من المحرم حتى وصل إلى العراق فعظم ذلك على الخليفة المكتفي وجهز إليه العساكر ثانيا صحبة فاتك المعتضدي في البر وجهز دميانة في البحر فقدم فاتك بجيوشه حتى نزل بالنويرة وقد عظم أمر الخلنجي هذا وأخرج عيسى النوشري عن مصر وأعمالها بأمور وقعت له معه ذكرناها في ترجمة عيسى النوشري ليس لذكرها هنا ثانيا محل ولمابلغ الخلنجي مجيء عسكر العراق ثاني مرة صحبة فاتك جمع عسكره وخرج إلى باب المدينة وعسكر به وقام بالليل بأربعة آلاف من أصحابه ليبيت فاتكا وأصحابه فضلوا عن الطريق وأصبحوا قبل أن يصلوا إلى النويرة فعلم بهم فاتك فهض أصحابه وآلتقى مع الخلنجي قبل أن يصلوا إلى النويرة فتقاتلا قتالا شديدًا آنهزم فيه الخلنجي بعد أن ثبت ساعة بعد فرار أصحابه عنه ودخل إلى مصر وآستتر بها لثلاث خلون من شهر رجب ثم قبض عليه وحبس حسبما ذكرناه في ترجمة النوشري ثم دخل دميانة بالمراكب إلى مصر وأقبل عيسى النوشري من الصعيد ومعه الحسين الماذرائي ومن كان معهما من أصحابهما لخمس خلون من رجب المذكورة وعاد النوشري إلى ما كان عليه من ولاية مصر والحسين الماذرائي على الخراج وزالت دولة محمد بن علي الخلنجي عن مصر بعد أن حكمها سبعة أشهر واثنين وعشرين يوما كل ذلك ذكرناه في ترجمة النوشري ولم نذكره هنا إلا لزيادة الفائده وأيضًا لما قدمناه في أول ترجمته ثم إن عيسى النوشري قيد محمد بن علي الخلنجي هذا وجماعة من أصحابه وحملهم في البحر إلى أنطاكية ثم منها في البر إلى العراق إلى حضرة الخليفة فأوقف بين يديه فوبخه ثم نكل به وطيف به وبأصحابه على الجمال ثم قتل شر قتلة وزالت دولته وروحه بعد أن أفسد أحوال الديار المصرية وتركها خرابا يبابا من كثرة الفتن والمصادرات قلت‏:‏ وأمر محمد هذا من العجائب فإنه أراد أخذ ثأر بني طولون والانتصار لهم غيرة على ما وقع من محمد بن سليمان الكاتب من إفساده الديار المصرية فوقع منه أيضًا أضعاف ما فعله محمد بن سليمان الكاتب وكان حاله كقول القائل‏:‏ الخفيف رام نفعًا وضر من غير قصد ومن البر ما يكون عقوقا عود عيسى النوشري إلى مصر دخلها بعد آختفاء محمد بن علي الخلنجي بيومين وذلك في خامس شهر رجب سنة ثلاث وتسعين ومائتين ثم دخل فاتك بعساكره إلى مصر في يوم عاشر رجب وتسلم الخلنجي وأرسله في البحر لست خلون من شعبان ووقع ماحكيناه في ترجمته من قتله وإشهاره‏.‏

وأما عيسى النوشري فإنه آبتدأ في أؤل شهر رمضان بهدم ميدان أحمد بن طولون وبيعت أنقاضه بأبخس ثمن وكان هذا الميدان وقصوره من محاسن الدنيا‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك في عدة أماكن في ترجمة ابن طولون وابنه خمارويه وغير ذلك ودام فاتك بالديار المصرية إلى النصف من جمادى الأولى سنة أربع وتسعين ومائتين و خرج منها إلى العراق‏.‏

ثم أمر الأمير عيسى النوشري بنفي المؤنثين من مصر ومنع النوح والنداء على الجنائز وأمر بإغلاق المسجد الجامع فيما بين الصلاتين ثم أمر بفتحه بعد أيام ثم ورد عليه الخبر بموت الخليفة المكتفي بالله علي في ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين فلما سمع الجند بموت الخليفة شغبوا على عيسى النوشري وطلبوا منه مال البيعة بالخلافة للمقتدر جعفر وظفر النوشري بجماعة منهم ولما استقر المقتدر في الخلافة أقر عيسى هذا على عمله بمصر‏.‏

ثم قدم على عيسى زيادة الله أبن أبي العباس عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب أمير إفريقية مهزوما من أبي عبد الله الشيعي في شهر رمضان سنة ست وتسعين ومائتين ونزل بالجيزة وأراد الدخول إلى مصر فمنعه من الدخول إليها فوقع بين أصحابه وبين جند مصر مناوشة وبعض قتال إلى أن وقع الصلح بينهم على أن يعبرها وحده من غير جند فدخلها وأقام بها‏.‏

ولم تطل أيام الأمير عيسى بعد ذلك ومرض ولزم الفراش إلى أن مات في يوم سادس عشرين من شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين وهوعلى إمرة مصر وكانت ولايته على مصر خمس سنين وشهرين ونصف شهر منها ولاية الخلنجي على مصر سبعة أشهر وآثنان وعشرون يوما وقام من بعده على مصر ابنه أبو الفتح محمد بن عيسى إلى أن ولي تكين الحربي وحمل عيسى النوشري إلى القدس ودفن به وكان عيسى هذا أميرا جليلا شجاعا مقداما عارفا بالأمور طالت أيامه في السعادة وولي الأعمال مثل إمرة دمشق من قبل المنتصر والمستعين وولي شرطة بغداد أيام المكتفي ثم ولي أصبهان والجبال إلى أن ولاه المكتفي إمرة مصر‏.‏

السنة التي حكم فيها أربعة أمراء وهي سنة اثنتين وتسعين ومائتين‏:‏ والأمراء الأربعة‏:‏ شيبان بن أحمد بن طولون ومحمد بن سليمان الكاتب وعيسى النوشري و ومحمد بن علي الخلنجي فيها أعني سنة آثنتين وتسعين ومائتين قدم بدر الحمامي الذي قتل القرمطي فتلقاه أرباب المولة وخلع عليه الخليفة وخلع على آبنه أيضًا وطوق بدر المذكور وسور وقيدت بين يديه خيل الخليفة جنائب وحمل إليه مائة ألف درهم وفيها وافت هدية إسماعيل بن أحمد أمير خراسان إلى بغداد كان فيهاثلاثمائة جمل عليها صناديق فيها المسك والعنبر والثياب من كل لون ومائة غلام وأشياء كثيرة غير ذلك وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي وفيها في ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب ولتسع عشرة خلت من أيار وهوبشنس بالقبطي طلع كوكب الذنب في الجوزاء وفيها في جمادى الأولى زادت دجلة زيادة لم ير مثلها حتى خربت بغداد وبلغت الزيادة إحدى وعشرين ذراعا‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الحافظ أبومسلم الكجي البصري ولد سنة مائتين وقدم بغداد وكان يملي برحبة غسان وكان يملى سبعه سبعة كل واحد منهم يبلغ الذي يليه وكتب الناس عنه قياما بأيديهم المحابر ومسح المكان الذي كانوا قياما فيه فحزروا نيفا وأربعين ألف محبرة وكانت وفاته ببغداد لتسع خلون من المحرم وفيها توفي إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرىء ولد سنة تسع وتسعين ومائة ومات ببغداد يوم الاضحى وهو ابن نحو من تسعين سنة سئل عنه الدارقطني فقال‏:‏ هوثقة وفوق الثقة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن الحسين المصري الأيلي وأبو بكر أحمد بن علي بن سعيد قاضي حمص وأحمد بن عمرو أبو بكر البزار وأبو مسلم الكجي وإدريس بن عبد الكريم المقرىء وأسلم بن سهل الواسطي وأبوحازم القاضي عبد الحميد بن عبد العزيز وعلي بن محمد بن عيسى الجكاني وعلي بن جبلة الأصبهاني‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وست عشرة إصبعا مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبع واحدة السنة الثانية من ولاية عيسى النوشري على مصر وهي سنة ثلاث وتسعين ومائتين‏:‏ فيها توجه القرمطي إلى لدمشق وحارب أهلها فغلب عليها ودخلها وقتل عامة أهلها من الرجال والنساء ونهبها وآنصرف إلى ناحية البادية‏.‏

وفيها حج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمي وفيها عمل على دجلة من جانبيها مقياس مثل مقياس مصر طوله خمس وعشرون ذراعا ولكل ذراع علامات يعرفون بها الزيادة ثم خرب بعد ذلك وفيها توفي عبد الله بن محمد أبو العباس الأنباري الناشي الشاعر المشهور كان فاضلا بارعا وله تصانيف رد فيها على الشعراء وأهل المنطق وعمل قصيدة واحدة في قافية واحدة وروي واحد أربعة آلاف بيت ومات بمصر‏.‏

ومن شعره الطويل عذلت على ما لو علمت بقدره بسطت فكان العذل واللوم من عذري جهلت ولم تعلم بأنك جاهل فمن لي بأن تدري بأنك لاتدري ومن شعره قوله‏:‏ المتقارب تساقوا جميعًا بكأس الردى فمات الصديق ومات العدو الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إبراهيم بن علي الذهلي وداود بن الحسين البيهقي وعبدان المروزي وعيسى بن محمد بن عيسى بن طهمان المروزي والفضل بن العباس بن صفوان الأصبهاني ومحمد بن أسد المدني ومحمد بن عبدوس بن كامل السراج وهميم بن همام الطبري‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وسبع أصابع ونصف مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏

السنة الثالثة من ولاية عيسى النوشري على مصر وهي سنة أربع وتسعين ومائتين‏:‏ فيها خرج زكرويه القرمطي من بلاد القطيف يريد الحاج فوافاهم وقاتلهم حتى ظفر بهم وواقع الحاج وأخذ جميع ما كان معهم وكان قيمة ذلك ألفي دينار بعد أن قتل من الحادي عشرين ألفًا وجاء الخبر إلى بغداد بذلك فعظم ذلك على المكتفي وعلى المسلمين ووقع النوح والبكاء وآنتدب جيش لقتاله فساروا وسار زكرويه إلى زبالة فنزلها وكانت قد تأخرت القافلة الثالثة وهي معظم الحاج فسار زكرويه المذكور ينتظرها وكان في القافلة أعين أصحاب السلطان ومعهم الخزائن والأموال وشمسة الخليفة فوصلوا إلى فيد وبلغهم الخبر فأقاموا ينتظرون عسكر السلطان فلم يرد عليهم الجند فساروا فوافوا الملعون بالهبير فقاتلهم يوما إلى الليل ثم عاودهم الحرب في اليوم الثاني فعطشوا وآستسلموا فوضع فيهم السيف فلم يفلت منهم إلا اليسير وأخذ الحريم والأموال فندب المكتفي لقتاله القائد وصيفا ومعه الجيوش وكتب إلى شيبان أن يوافوا فجاؤوا في ألفين ومائتي فارس فلقيه وصيف يوم السبت رابع شهر ربيع الأول فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل وأصبحوا على القتال فنصر الله وصيفا وقتل عامة أصحاب زكرويه المذكور الرجال والنساء وخلصوا من كان معه من النساء والأموال وخلص بعض الجند إلى زكرويه فضربه وهومول على قفاه ثم أسره وأسروا خليفته وخواصه وآبنه وأقاربه وكاتبه وآمرأته فعاش زكرويه خمسة أيام ومات من الضربة فشقوا بطنه وحمل إلى بغداد وقتل الأسارى وأحرقوا وقيل‏:‏ إن الذي جرح زكرويه هووصيف بنفسه‏.‏

قلت‏:‏ لا شلت يداه‏.‏

وتفرق أصحاب زكرويه في البرية وماتوا عطشًا‏.‏

وفيها توفي محمد بن نصر أبو عبد الله المروزي الفقيه أحد الأئمة الأعلام وصاحب التصانيف الكثيرة والكتب المشهورة مولده ببغداد في سنة آثنتين ومائتين ونشأ بنيسابور وآستوطن سمرقند وفيها توفي صالح بن محمد بن عمرو بن حبيب بن حسان بن المنذر بن أبي الأبرش عفار مولى أسد بن خزيمة الحافظ أبو علي الأسدى البغدادي المعروف بجزرة نزيل بخارى ولد سنة خمس ومائتين ببغداد قال أبو سعيد الإدريسي الحافظ‏:‏ صالح بن محمد جزرة ما أعلم في عصره بالعراق وخراسان في الحفظ مثله‏.‏

ولقب ‏"‏ جزرة لأنه جاء في حديث عبد الله بن بشر أنه كانت عنده خرزة يرقي بها المرضى وكانت لأبي أمامة الباهلي فصحفها جزرة بجيم وزاي معجمتين‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الحسن بن المثنى العنبري وأبو علي صالح بن محمد جزرة وعبيد العجلي ومحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المعروف بابن راهويه الفقيه ومحمد بن أيوب بن الضريس الرازي ومحمد بن معاذ الحلبي دران ومحمد بن نصر المروزي الفقيه وموسى بن هارون الحافظ‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وإصبع واحدة مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعا وإحدى عشرة إصبعًا‏.‏